يهتم علم الدلالة بدراسة المعنى على مستوياتٍ
متعددة، تشمل الكلمة والجملة والنص، كما يبحث في العلاقة بين اللفظ والمعنى في ضوء
السياق اللغوي والاجتماعي. ومن أهم موضوعاته دلالة الألفاظ، ودلالة التراكيب،
والعلاقات الدلالية بين الكلمات، والتغير الدلالي عبر الزمن³.
في دراسة دلالة الألفاظ، يبحث العلماء في معنى
الكلمة المفردة وكيف يتطور أو يختلف حسب السياق. فالكلمة الواحدة قد تتسع دلالتها
أو تضيق بحسب الاستعمال. فمثلاً كلمة اليد قد تدل على الجارحة
وقد تُستعمل للدلالة على القوة أو النعمة⁴. وأما دلالة التراكيب، فتتناول المعنى
الناتج عن تركيب الكلمات في الجملة، حيث إن تغيّر ترتيب الألفاظ أو البنية النحوية
قد يؤثر في المعنى المقصود أو في الدلالة البلاغية، مثل الفرق بين جاءَ
زيدٌ وزيدٌ جاءَ⁵.
تشمل العلاقات الدلالية بين الكلمات الترادف والتضاد والاشتراك اللفظي والتضمين. فالترادف مثل السيف والمهند، والتضاد مثل الليل والنهار، والاشتراك اللفظي مثل العين التي قد تعني الباصرة أو النبع أو الجاسوس بحسب السياق⁶. كما يتناول علم الدلالة التغير الدلالي الذي يحدث مع مرور الزمن نتيجة العوامل الثقافية والاجتماعية، مثل كلمة السيارة التي كانت تدل على القافلة فأصبحت تدل على المركبة الحديثة⁷
تنقسم الدلالة إلى أنواعٍ متعددةٍ منها الدلالة
اللغوية، وهي المعنى الأصلي للكلمة في اللغة مثل الأسد للحيوان
المفترس، والدلالة الاصطلاحية وهي المعنى الذي يختص بعلم معين مثل الصلاة في
الاصطلاح الشرعي، والدلالة السياقية التي يتحدد معناها بحسب السياق مثل كلمة عين في
قوله تعالى: ﴿وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ﴾ أي الينابيع، والدلالة النفسية
والاجتماعية التي تتأثر بحال المتكلم والمخاطَب وظروف الخطاب⁸.
تكمن أهمية علم الدلالة في كونه أساس الفهم الصحيح
للنصوص الدينية والأدبية، إذ يساعد على تفسير المعاني بدقة، ويُعين على الترجمة
السليمة، ويُنمّي القدرة على التحليل اللغوي، كما يكشف عن جماليات اللغة العربية
وغناها الدلالي⁹. ويرتبط علم الدلالة بعدة علوم لغوية وفكرية، فهو
متصل بالنحو لأنه يدرس البنية التي تولّد المعنى، وبالبلاغة لأنها تبحث في مطابقة
الكلام لمقتضى الحال، وبالمعجم لأنه يُعنى بشرح معاني المفردات، وبالمنطق لأنه
يتناول دلالة الألفاظ على المعاني العقلية¹⁰.
ومن أبرز العلماء الذين أسهموا في تأسيس مباحث الدلالة في التراث العربي ابن جني في كتاب الخصائص، وعبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز، والزمخشري في أساس البلاغة، وابن فارس في مقاييس اللغة. وفي العصر الحديث برز تمام حسان في اللغة العربية معناها ومبناها، وإبراهيم أنيس في دلالة الألفاظ¹¹. ويخلص الباحثون إلى أن علم الدلالة هو علم المعنى الذي تقوم عليه سائر الدراسات اللغوية، إذ لا يمكن فهم اللغة فهماً تاماً إلا بمعرفة دلالات ألفاظها وتراكيبها وسياقاتها المتنوعة¹²
قائمة المراجع
1.
ليونز، جون. Semantics. لندن: كامبريدج، 1977.
2.
إبراهيم أنيس. دلالة الألفاظ. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1984.
3.
تمام حسان. اللغة العربية معناها ومبناها. القاهرة:
عالم الكتب، 1979.
4.
نفسه، ص. 54.
5.
عبد القاهر الجرجاني. دلائل الإعجاز. بيروت: دار المعرفة، 1998.
6.
ابن فارس. مقاييس اللغة. بيروت: دار الفكر، 1399هـ.
7.
تمام حسان، اللغة العربية معناها ومبناها.
8.
الزمخشري. أساس البلاغة. بيروت: دار صادر، 1987.
9.
عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز.
10. ابن جني. الخصائص. بيروت:
دار الهدى، 1952.
11. إبراهيم أنيس، دلالة
الألفاظ؛ تمام حسان، اللغة العربية معناها ومبناها.
12. نفسه، ص. 112.
0 comments:
Post a Comment