تُعَدُّ اللغةُ العربية من أقدم اللغات وأغناها من حيث المفردات والتراكيب والدلالات، وهي لغة الضاد التي نزل بها القرآن الكريم، فخلّدها الله بحفظه، وجعلها وعاءً للوحي الإلهي ولسانًا للثقافة الإسلامية والحضارة العربية. تعود أصول اللغة العربية إلى الأسرة السامية التي تشمل العبرية والآرامية والسريانية وغيرها، وقد اتفقت أغلب الدراسات اللغوية المقارنة على أنّ العربية تنتمي إلى الفرع الجنوبي الغربي من اللغات السامية القديمة¹.
تشير النقوش العربية الشمالية والجنوبية القديمة مثل النقوش الصفائية والثمودية واللحيانية إلى وجود لهجات عربية قبل الإسلام بقرون عديدة، مما يدل على أنّ العربية مرّت بمراحل طويلة من التطور حتى وصلت إلى صورتها الفصحى التي نعرفها اليوم². وقد وُجِدت في جنوب الجزيرة العربية لغات سامية قريبة من العربية كالسبئية والمعينية والحميرية، أما في شمال الجزيرة فقد انتشرت لهجات أقرب إلى ما صار يُعرَف لاحقًا بالعربية الفصحى³.وفي القرن السادس الميلادي، برزت لهجة قريش في مكة
بوصفها أكثر اللهجات فصاحة واعتدالًا في النطق والأسلوب، ولهذا اختارها الله تعالى
لسانًا للقرآن الكريم. ومع نزول الوحي على النبي محمد ﷺ أصبحت العربية لغة الدين
والعلم والثقافة، وانتشرت بانتشار الإسلام شرقًا وغربًا. وقد حفظ القرآن الكريم
للعربية نقاءها وأصالتها، وأصبحت وسيلة التعبير الأدبي والشرعي والبلاغي في آنٍ
واحد⁴.
في العصرين الأموي والعباسي بلغت العربية ذروة
ازدهارها، إذ أصبحت لغة العلم والفلسفة والطب والفلك، وتُرجمت إليها الكتب من
اليونانية والفارسية والسريانية. كما نشأت علوم جديدة لخدمة اللغة مثل النحو
والصرف والبلاغة والعَروض، وظهر علماء كبار مثل سيبويه والخليل بن أحمد الفراهيدي،
الذين وضعوا أسس الدرس اللغوي العربي⁵.
غير أن العربية لم تبقَ بمعزل عن التأثيرات، فقد
دخلت عليها ألفاظ أعجمية نتيجة الاحتكاك الثقافي والتجاري، لكنّها احتفظت ببنيتها
الأساسية، وأظهرت قدرة كبيرة على استيعاب المفاهيم الجديدة من دون أن تفقد هويتها.
وفي العصور المتأخرة ضعفت مكانتها بسبب التراجع الحضاري، إلا أنّها بقيت حية في
النصوص الدينية والأدبية⁶.
أما في العصر الحديث، فقد واجهت العربية تحديات
كثيرة، منها هيمنة اللغات الأجنبية في مجالات العلم والتقنية، وتوسع اللهجات
المحلية في الإعلام والتواصل اليومي، إضافة إلى ضعف المحتوى العربي الرقمي. ومع
ذلك، لا تزال اللغة العربية من أكثر اللغات انتشارًا في العالم، إذ يتحدث بها ما
يزيد عن أربعمئة مليون نسمة كلغة أم أو ثانية، وهي من اللغات الرسمية الست في
منظمة الأمم المتحدة⁷.
لقد أثبتت العربية عبر العصور أنها لغة مرنة قابلة
للتجديد، قادرة على استيعاب المصطلحات الحديثة في العلوم والتقنية والفنون. ولذا،
فإن الحفاظ عليها مسؤولية مشتركة بين العلماء والمربين والمؤسسات الثقافية، من
خلال نشر الوعي اللغوي وتعليم الفصحى وتشجيع البحث في علوم اللغة وتاريخها.
فالعربية ليست مجرد أداة تواصل، بل هي وعاء فكر وحضارة وهوية أمة⁸.
المراجع
1.
الجزيرة نت. اللغة
العربية: أصلها وتاريخها وعدد الناطقين بها. https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2023/12/18
2.
موضوع. تاريخ
اللغة العربية. https://mawdoo3.com/تاريخ_اللغة_العربية
3.
المنصة. تاريخ
اللغة العربية وأصولها. https://al-manassa.com/ثقافة/تراث/تاريخ-اللغة-العربية
4.
صيد الفوائد. نشأة
اللغة العربية وتطورها وثباتها أمام التحديات. https://www.saaid.org/Doat/aldgithr/35.htm
5.
ويكيبيديا العربية. تاريخ
اللغة العربية. https://ar.wikipedia.org/wiki/تاريخ_اللغة_العربية
6.
Sarabic.ae. ما
هي اللغة العربية: قصة التطور من المنشأ إلى العالمية. https://sarabic.ae/20231108
7.
ASJP. نشأة اللغة العربية
وتطورها مقاربات نظرية. https://asjp.cerist.dz/en/article/34725
8.
موضوع. كيف
نشأت اللغة العربية. https://mawdoo3.com/كيف_نشأت_اللغة_العربية
0 comments:
Post a Comment